تصاعدت وتيرة الجدل مجددًا في الشارع المصري بعد صدور قرار جديد ضد البلوجر المعروفة إعلاميًا بـ"أم مكة"، وذلك على خلفية اتهامها بنشر محتوى وُصف بأنه "خادش للحياء العام" عبر منصات التواصل الاجتماعي. هذه القضية تأتي في إطار حملة رقابية وأمنية أوسع تشنها الجهات المختصة في مصر لمواجهة ما تعتبره تجاوزات أخلاقية وقانونية في الفضاء الرقمي، خصوصًا من قبل عدد من صُنّاع المحتوى المعروفين بـ"البلوجرز" و"التيك توكرز".
وقد أثارت القضية انقسامًا حادًا بين مؤيدين يرون أن الأمر يدخل في إطار الحفاظ على قيم المجتمع، ومعارضين يعتبرونه تقييدًا لحرية التعبير. في هذا التقرير، نسلط الضوء على خلفية القرار، التهم الموجهة، التفاصيل القانونية، ردود الفعل، والدلالات الأوسع لهذه القضايا على مستقبل المحتوى الرقمي في مصر.
أصدرت الجهات القضائية المختصة قرارًا يقضي بتجديد حبس البلوجر "أم مكة" لمدة 15 يومًا على ذمة التحقيقات، بعد اتهامها ببث ونشر محتوى يتضمن إشارات وألفاظ وصور اعتبرت خادشة للحياء العام، وغير ملائمة للعرض على المنصات العامة.
ويُعد هذا القرار امتدادًا لتحقيقات موسعة بدأتها النيابة العامة منذ عدة أسابيع، بعد ورود بلاغات من عدد من المواطنين ومتابعين على منصات التواصل، تتهم "أم مكة" باستخدام حساباتها لبث فيديوهات وصفت بأنها مسيئة وغير لائقة.
تشمل قائمة التهم الموجهة للبلوجر "أم مكة":
الاعتداء على قيم المجتمع والأسرة المصرية.
التحريض على الفسق والفجور.
نشر محتوى خادش للحياء العام.
استغلال مواقع التواصل الاجتماعي في أغراض تجارية تتضمن تجاوزات أخلاقية.
الإساءة للمستخدمين من خلال محتوى غير منضبط.
وبحسب التحقيقات، فإن المحتوى المنشور قد تم تداوله بشكل واسع، مما عزز من حدة الجدل وزاد من خطورة الموقف القانوني للمتهمة.
البلوجر المعروفة باسم "أم مكة" بدأت شهرتها من خلال منصات مثل "تيك توك" و"إنستجرام"، حيث كانت تقدم مقاطع تتنوع بين التحديات الساخرة واليوميات الأسرية ومحتوى الموضة والجمال.
ورغم ما كانت تحققه من مشاهدات عالية وتفاعل جماهيري، فإنها أثارت الجدل أكثر من مرة بسبب طريقتها الجريئة في العرض، والتي رأى البعض أنها لا تتناسب مع طبيعة الجمهور في مصر، خصوصًا الفئات العمرية الصغيرة.
قامت الأجهزة الأمنية برصد الحسابات التابعة للبلوجر المذكورة، وجمع الأدلة الرقمية اللازمة، قبل أن تُحال القضية إلى النيابة العامة للتحقيق.
وأفادت التقارير بأن التحريات تضمنت تحليلًا شاملًا للمحتوى المنشور خلال الأشهر الماضية، وتوثيق مقاطع الفيديو التي اعتُبرت مخالفة، مع تحديد آليات النشر وعدد المتابعين والمصادر المالية التي تم تحصيلها من خلال تلك الفيديوهات.
النيابة العامة قررت اتخاذ إجراءات تحفظية بحق "أم مكة"، تضمنت:
حبس احتياطي على ذمة التحقيقات.
التحفظ على الهاتف المحمول وأجهزة الحاسب الخاصة بها.
وقف حساباتها على المنصات الرقمية مؤقتًا.
استدعاء عدد من الشهود والمتابعين الذين تقدموا ببلاغات رسمية.
وأكدت النيابة في بيانها أن الإجراءات تأتي في إطار القانون، وأن حرية التعبير لا تعني تجاوز القيم المجتمعية أو خرق قوانين النشر الإلكتروني.
شهدت مواقع التواصل الاجتماعي موجة واسعة من التعليقات عقب إعلان القرار الجديد، حيث انقسم المستخدمون بين مؤيدين ومعارضين:
الفريق الأول رحّب بقرار الحبس واعتبره خطوة ضرورية لحماية المجتمع من "المحتوى الهابط".
أما الفريق الثاني فانتقد بشدة ما وصفه بـ"الحملة الانتقائية" على صناع المحتوى، معتبرين أن الحل لا يكون بالسجن بل بالتوعية والمساءلة الأخلاقية.
في حين دعا فريق ثالث إلى وضع قوانين واضحة تحدد ما يُعد مخالفًا في النشر، لتفادي الاجتهادات التي قد تضر بحرية التعبير.
تشير هذه القضية إلى اتجاه أكثر صرامة في التعامل مع المحتوى الرقمي في مصر، خصوصًا من قبل البلوجرز وصناع الفيديوهات، وسط دعوات متزايدة لتنظيم هذا القطاع.
ويخشى بعض المحللين من أن تؤدي هذه القضايا إلى عزوف عدد من المبدعين عن النشر، في ظل حالة القلق من الملاحقات القضائية، بينما يرى آخرون أن الضبط القانوني ضروري لحماية الذوق العام ومنع الانفلات الأخلاقي.
تأتي قضية "أم مكة" ضمن سلسلة من القضايا المشابهة التي طالت عددًا من البلوجرز والتيك توكرز خلال السنوات الماضية، مثل قضية "حنين حسام" و"مودة الأدهم"، والتي انتهت أيضًا بأحكام قضائية صارمة، شملت الحبس والغرامة ومصادرة الأموال.
ويبدو أن هناك سياسة واضحة من الجهات القضائية والأمنية في هذا الملف، تستهدف فرض سيطرة قانونية وأخلاقية على ما يُبث عبر الإنترنت.
وفق ما تردد من تصريحات غير رسمية، فقد نفت أسرة البلوجر التهم الموجهة إليها، وأكدوا أن "أم مكة" لم تكن تقصد الإساءة أو التجاوز، وأن الفيديوهات المتداولة قد تم اجتزاؤها من سياقها.
في المقابل، يعمل محامي الدفاع على تقديم مذكرة تتضمن دفوعًا قانونية بعدم توافر نية جنائية، مع الإشارة إلى أن الفيديوهات لا تحمل أي محتوى صريح يخالف القانون بشكل مباشر.
من المؤكد أن القضية سيكون لها تأثير كبير على طريقة تعاطي صناع المحتوى مع الجمهور والقوانين، حيث بات من الضروري مراجعة كل ما يُنشر من فيديوهات أو تعليقات على المنصات.
وقد بدأت بالفعل بعض البلوجرز في حذف مقاطع قديمة أو تعديل طريقة طرحهم للمحتوى، تخوفًا من أن تُفهم بشكل سلبي أو تُستخدم كدليل قانوني ضدهم لاحقًا.
في ظل تكرار هذه القضايا، تصاعدت المطالب بوضع "ميثاق أخلاقي رقمي" ينظم عمل البلوجرز والتيك توكرز، يشمل:
معايير النشر الأخلاقي.
ضوابط المحتوى الموجه للأطفال.
التزامات صناع المحتوى تجاه المجتمع.
عقوبات محددة وواضحة لأي مخالفة.
ويرى بعض الخبراء أن وجود مثل هذا الميثاق، سواء بإشراف الدولة أو بالتعاون مع منصات التواصل، سيحسم الكثير من الجدل القانوني.
تمثل قضية "أم مكة" واحدة من أبرز المحطات في مسار العلاقة بين السلطات وصناع المحتوى الرقمي في مصر، وتكشف عن تعقيدات المشهد الجديد الذي فرضته وسائل التواصل الاجتماعي على المنظومة الأخلاقية والقانونية.
وبينما ينتظر الجميع ما ستؤول إليه التحقيقات المقبلة، تبقى الرسالة واضحة: لم تعد منصات التواصل فضاءً حرًا مطلقًا، بل ساحة خاضعة للرقابة والمساءلة، ويجب على كل من يستخدمها أن يعي مسؤولياته وحدود حريته.
جميع الحقوق محفوظة 2024 © | MedMarkt